الخميس، 30 أغسطس 2012

اليمن والولايات المتحدة ومبادرة الخبراء تقترح أسس جديدة للعلاقات

أسس جديدة لعلاقات الولايات المتحدة واليمن

رسالة مبادرة اليمن

اعداد وترجمة السفير مروان عبدالله عبدالوهاب نعمان
نشوان نيوز - خاص الإثنين 02-07-2012
وفي صحيفة الجمهورية في نفس اليوم

http://nashwannews.com/news.php?action=view&id=18446&spell=0&highlight=%E3%D1%E6%C7%E4+%E4%DA%E3%C7%E4

تعد هذه الرسالة بمثابة خارطة لقواعد جديدة في العلاقات بين اليمن والولايات المتحدة الأمريكية حيث جاءت خلاصة لجهود عدد بارز من أهم خبراء السياسة الخارجية الأميركية برسالة مفتوحة إلى الرئيس باراك أوباما، وتناولت وسائل الإعلام خبراً حولها..
الدبلوماسي اليمني السابق والخبير السياسي مروان نعمان يرى أن هذه الوثيقة على درجة بالغة من الأهمية الذي قال إنها جاءت كرسالة مفتوحة ليس إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما فحسب، وإنما هي أيضاً رسالة إلى اليمنيين بأن عليهم أن يبدأوا بالعمل بما يناسب هذا الاتجاه الذي رسمه الخبراء للبيت الأبيض..

والمراقب للوضع اليمني، يجد أن الرسالة التي وقعها 27 خبيرا بعد المؤتمر الذي انعقد تحت شعار "الازمة اليمنية: إلى اين تتجه؟"، برعاية برعاية من المجلس الاطلنطي ومشروع الديمقراطية في الشرق الاوسط، حضرها عدد كبير من المختصين بالشأن اليمني. كانت واقعية وجريئة حيث درست الواقع اليمني بدقة، وقدمت كيف ينظر اليمنيون إلى سياسات الولايات المتحدة في التعامل مع بلادهم وحملت توصيات للرئيس الامريكي والإدارة الامريكية في "كيفية التعاطي مع يمن مابعد صالح بنظرة شراكة استراتيجية، لا تكون مكافحة الارهاب اساسها الوحيد، بقدر ما تكون قائمة على تحقيق المصالح متبادلة للبلدين".

ويشير الأستاذ مروان النعمان إلى أن كثير من مضامين الرسالة كانت قد نشرت في مقالات بحثية أمريكية، ومنها مجلة "الحروب الصغيرة" الامريكية التي نشرت في 14 مارس 2014، مقالاً على درجة بالغة من الأهمية رؤية تقترح قيام الولايات المتحدة الامريكية بتأسيس علاقة شراكة استراتيجية مع اليمن الجديد.. وهو المادة التي نبه إليها نعمان في م23يونيوالماضي عبر نشوان نيوز وصحيفة الجمهورية بالتزامن..

وتطرقت أكثر التقارير الصحفية حول الرسالة إلى تحذيرها الرئيس باراك أوباما من أن سياسته المتبعة في اليمن والتي تقوم على شن غارات من طائرات بدون طيار ضد اهداف إرهابية، لا يمكن الاستمرار بها وقد تضر بأمن الولايات المتحدة على المدى الطويل. كما ركزت التوصيات للرئيس الامريكي باراك أوباما وادارته، على ضرورة ان ترتكز السياسية الامريكية على محاور اربعة وهي: المحور الدبلوماسي، والمحور السياسي، ومحور المساعدات الاقتصادية والإنسانية، والمحور الاخير هو المحور الامني.

الخبير السياسي مروان نعمان يرى إنها لا يجب أن تمر دون الوقوف معها كما يجب، ويرى أن على جميع السياسيين والمعنيين في اليمن الإطلاع عليها بعناية.. إذ أن النقاط الواردة فيها تحتاج جميعها إلى قراءة دقيقة.

ويقول نعمان: ان هذه الرسالة الهامة المفتوحة بقدر ما هي موجهة الى الرئيس الامريكي من مراكز البحث المختلفة ومن مفكرين على قدر كبير من التقدير الدولي، فإنها رسالة مفتوحة موجهة الى الرئيس اليمني الاخ عبدربه منصور هادي ورئيس الوزراء الاستاذ محمد سالم باسندوة، والى كل اطراف العمل السياسي. وهي رسالة ينبغي استيعابها في ظل كل المعطيات التي اسست للمرحلة الانتقالية بموجب مبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية وقراري مجلس الامن رقم 2014 (2011) ورقم 2051 (2012)، وهي في مجملها خارطة الطريق للوصول الى يمن جديد يقوم على أسس دولة مدنية ديمقراطية تلبي طموحات الشعب اليمني في التغيير والانتقال الى الدولة التي تتجاوز كل مواريث الماضي التي عانى منها كل ابناء الشعب اليمني.

نشوان نيوز يعيد نشر الرسالة بالتزامن مع الجمهورية:

"الازمة اليمنية: إلى اين تتجه؟
رسالة مفتوحة للرئيس الامريكي باراك أوباما بتوصيات ببناء أسس جديدة في العلاقات اليمنية الامريكية

مبادرة السياسية اليمنية
25 يونيو 2012
السيد الرئيس باراك أوباما
رئيس الولايات المتحدة الامريكية
البيت الابيض
واشنطن دي سي

السيد الرئيس،
أدى ارتفاع نشاط القاعدة في الجزيرة العربية وتقديرات وكالات الاستخبارات الامريكية الى اعتبار ان اليمن ستكون ميدان المعركة الثانية لمكافحة المجموعات الإرهابية، ما أدى الى تزايد الاهتمام والتركيز على اليمن قبل الاضطرابات السياسية الاخيرة وتوسع سيطرة الجغرافية للقاعدة في الجزيرة العربية. وفي الوقت الذي أيدت الولايات المتحدة مفاوضات نقل السلطة بشكل فعال، بلغ ذروته بأمركم الاداري الذي فوض باتخاذ اجراءات عقابية في حق كل من يعيق الانتقال، بالاضافة الى قرار مجلس الامن الذي هدد باتخاذ اجراءات مشابهة، قامت الولايات المتحدة ايضاً بزيادة بالغة للضربات بدون طيار ضد اهداف المتطرفين، وعززت تفويض وكالة الاستخبارات الامريكية بهجمات بطائرات بدون طيار ووسعت من دور القوات الامريكية في دعم القوات اليمنية هجماتها المضادة للقاعدة في الجزيرة العربية.
وبينما قد تكون زيادة الاسهام خطوة ضرورية لاستقرار اليمن، غير أننا كأفراد مهتمين جداً بالولايات المتحدة ومستقبل اليمن، مؤمنون ان استراتيجية الولايات المتحدة الحالية تضر بالأهداف البعيدة المدى لأمننا القومي الامريكي. ونرى ان مقاربة واسعة تعطي اهمية اكثر للأسباب الكامنة للمشاكل السياسية والاقتصادية ستخدم بشكل أفضل استقرار اليمن، وبالتالي، مصالح امننا القومي، اكثر من التركيز الاساسي على جهود مكافحة الارهاب والمشاركة العسكرية المباشرة.
إن للولايات المتحدة مصلحة استراتيجية أساسية في اليمن في معالجة عدد من الاهداف الرئيسية: مكافحة القاعدة في الجزيرة العربية والمجموعات المسلحة الاخرى، وضمان استقرار البحر الأحمر لنقل النفط والخطوط البحرية، والحفاظ على امن المنطقة في الوقت الذي نقلل فيه من توتر العلاقات السعودية الإيرانية. وفي كل مجال من هذه المجالات، فإن استقرار اليمن امر حتمي لتحقيق جوهر مصالح الولايات المتحدة الامريكية الاستراتيجية. وفي المقابل، فإن مسار اليمن يعتمد على تحقيق انتقال ديمقراطي ناجح يضم المجموعات التي حرمت من حقوقها ويحقق النمو الاقتصادي وينتهي التوتر الاقليمي القائم منذ أمد.
ونحن نقبل بان تقوم الولايات المتحدة بالعمل اللازم ضد أولئك الذي يهددون الولايات المتحدة متى ما توفرت المعلومات الاستخبارية التي تستلزم التحرك. غير ان التخلص من اعضاء الجماعات المتطرفة بواسطة ضربات موجهة ليس حل دائم ولا يعالج الأسباب الكامنة التي دفعت بمثل هذه القوى لأن تجد الارض الخصبة في اليمن. ويجب على الولايات المتحدة، كي تتمكن من معالجة دوافع التطرف بشكل ممنهج، من التركيز على اربعة مجالات.وهي:
(1) النجاح في الانتقال الى حكومة ديمقراطية تحقق سيادة القانون واحترام حقوق الانسان.
(2) ودعم الحكومة اليمنية في تقديم الخدمات والاحتياجات الاساسية (تأمين الغذاء، والمياه، والمشتقات النفطية، والصحة).
(3) وإعادة هيكلة فعالة للجيش، وإيجاد هيكل موحد القيادة يوفر الأمن الداخلي المستند على القانون.
(4) وتحقيق تنمية اقتصادية وفرص عمل.
وفي الوقت الذي يوجد فيه البعض داخل الحكومة الامريكية ممن يدركون الحاجة للحل الشامل، فإن الدبلوماسية العامة وتنفيذ السياسات الامريكية في الوقت الحاضر يؤدى الى عكس المطلوب. وعلى الرغم من ان وزارة الخارجية، والوكالة الامريكية للتنمية الدولية، وغيرهما قد استثمرت الملايين في التنمية ومشروعات الحوكمة، فإن الانطباع السائد في كل من الولايات المتحدة واليمن ان سياسية الولايات المتحدة تركز بشكل وحيد على القاعدة في جزيرة العرب. إن الشعب اليمني بحاجة لان يعرف بان بلاده ليست مجرد ارض معارك تدار بالوكالة عن آخرين، وان التزامات الولايات المتحدة البعيدة المدى باستقرار اليمن وتنميتها وشرعيتها لاتقل اهمية عن التزامها بحاجتها الملحة والعادلة في هزيمة القاعدة في جزيرة العرب.
ولتحقيق هذا، فإن على الولايات المتحدة ان تغير جذريا تعاملها من مجرد النظرة الضيقة القائمة على مكافحة الارهاب وان تعلن بوضوح بأنها لتحقيق تقدم اليمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وعلى الولايات المتحدة اعادة تقييم معوناتها الاقتصادية والمتجهة للحوكمة بحيث تصبح تمثل الجزء الاكبر من اجمالي معوناتها مقارنة بالمساعدات العسكرية والأمنية. ان الولايات المتحدة بحاجة لأن تضمن بانها تركزها يتجه نحو تحقيق الاهداف البعيدة المدى، وليس فقط على المرامي القصيرة المدى.
ستظل التهديدات للامن القومي الامريكي دائماً في اعلى سلم اولويات الحكومة الامريكية. غير ان الجدل يطور حول ما اذا كان علينا العودة الى اسلوب العمل الجاري والقائم على التركيز على التهديدات الملحة، أو اغتنام الفرصة القائمة بالانتقال الجاري في اليمن لإعادة تقييم اسلوب التعامل معها. ومن هذا المنطلق نقترح التوصيات السياسية المحددة في المجالات الدبلوماسية والسياسية والقتصادية والأمنية.

في المجال الدبلوماسي
• أن يتم التواصل بطريقة منفتحة مع الشعب اليمني بشأن مخاوف الولايات المتحدة بشأن الارهاب والمخاوف الأمنية، ولكن طرح ذلك من خلال البعد والفهم الأوسع للاستقرار البعيد المدى القائم على الانتقال الناجح، والتطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. إن اليمنيين يفهمون ان القاعدة في جزيرة العرب تمثل تهديداً- ليس للولايات المتحدة فحسب وانما لهم ايضاً- واغلبهم يعترفون بحاجة الولايات المتحدة المشروعة في مواجهة أولئك الذين يتعهدون علناً بايذائنا. وفي هذا الصدد، فإن مصالح الولايات المتحدة ومصالح معظم اليمنيين متطابقة، لأن نمو القاعدة في جزيرة العرب امر حاسم بالنسبة لهم ايضاً.
• أن يتم تغيير صورة الولايات المتحدة الأولوية المنطبعة في اليمن بحيث لاتبدو أن مصالح الولايات المتحدة واهتماماتها تهيمن عليها فقط قضايا مكافحة الارهاب والأمن. وبوجه خاص، فإننا نشجعكم السيد الرئيس أوباما، على إيفاد وزيرة الخارجية السيدة كلينتون الى اليمن، وان تثير هذا الإلتزام امام الشعب اليمني. فقد لقيت زيارة كلينتون في عام 2011 ترحيباً كبيراً، وقيامها بزيارة يمن ما بعد صالح ستعطي رسالة دعم قوية للانتقال السياسي في اليمن. وبالإضافة الى ذلك، أوجدوا مناسبات لكبار المسئولين يصرحون فيها علناً ويلقون خطابات يؤكدون فيها التزام الولايات المتحدة الراسخ بالانتقال السياسي في اليمن، وتنميتها الاقتصادية واستقرارها.
• أن ترتقوا بمستوى اليمن في المجال الدبلوماسي وضمان الا تهيمن العلاقات الثنائية للأجهزة الاخرى او تعيق تعاطي الولايات المتحدة مع اليمن. عليكم التعامل المباشر مع اليمن وتأكدوا على قيام العلاقات الامريكية اليمنية على المصالح الامريكية واليمنية. وسيكون ضم اليمن الى "مكتب التحولات الانتقالية في الشرق الاوسط"Office of Middle East Transition خطوة إيجابية تعبر عن دعم الولايات المتحدة للتطلعات الديمقراطية للشعب اليمني.

في المجال السياسي
• أن تدعموا الحوار الوطني وتشجيع تمثيل طيف واسع من مختلف الأصوات بما فيها المرأة والشباب. وتجري في اليمن حالياً عملية تعريف المحددات والآليات الحوار الوطني الذي نصت عليه اتفاقية مجلس التعاون الخليجي. ويعتبر امر اساسياً بذل جهود متناسقة من قبل الفاعلين الدوليين لتقديم المساعدة والدفع بحوار حقيقي شامل. وتستطيع الولايات المتحدة من ضبط ايقاع الحوار بالتواصل الواسع مع مجموعات المجتمع المدني والشباب، وبالذات خارج صنعاء وعدن.
• أن تزيدوا المساعدات للمنظمات الدولية والمحلية التي تدعم التحولات وبناء المؤسسات الديمقراطية وتؤسس لثقافة التنوعpluralism وسيادة القانون. وعلى العكس من العدد من جيرانها، فإن منظمات المجتمع المدني في اليمن تمتلك تاريخ من المشاركة في عدد من قضايا الشباب وتمكين المرأة، والتعليم المجتمعي، والتطوير الدستوري، والإصلاح السياسي، وتطوير الاحزاب السياسية، والمساعدة في الانتخابات. وهذه المنظمات بحاجة الى زيادة المساعدات وتعدد مصادرها بما يسمح للتخطيط الاستراتيجي والتعاون الفني من قبل المنظمات الدولية.
• أن ترفعوا قدرات الحكومة اليمنية في تقديم الخدمات الاساسية والإبقاء بالحد الأدنى لاحتياجات مواطنيها. ذلك ان قدرة الحكومة لتقيم ما يكفي من الغذاء والماء والكهرباء والهزات الصحية والتعليم امر اساسي لنجاح اليمن في اجتياز المرحلة الانتقالية، والاهم من ذلك حدوث كارثة إنسانية. ان الحكومة ستكون بحاجة الى الإيفاء باحتياجات مواطنيها بفاعلية اكثر اذا ما ارادت مواجهة إغراءات المتطرفين من خلال مستلزمات الحياة الافضل وتوفير مشاريع تنموية مستدامة.

المساعدات الاقتصادية والإنسانية
• أن نعمل مع اصدقاء اليمن، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، من اجل رفع الدعم النقدي المالي وتقديم المساعدات الانسانية من اجل مواجهة احتياجات الامن الغذائي. ومع وجود 10 مليون مواطن يتعرضون للجوع يومياً، وصلت المعاناة اليوم الى مستويات كارثية. وبخلاف ما يفرضه الواجب الاخلاقي من ضرورة توفير الغذاء لتجنب حدوث مجاعة ومعانات صعبة، فان هناك خطر امني حاد اذا ما ادت الأزمة الى المزيد عدم الاستقرار. ويدرك جيران اليمن الخطورة الكامنة في تدهور الأوضاع الانسانية، وبالرغم من ذلك فإن مساعداتهم المالية لاتخلق فرص عمل ولا تطور البنى تحتية. ولإثبات الجدية في معالجة الأسباب الحقيقية لعدم الاستقرار، يجب على الولايات المتحدة القيام بنصيبها من المساهمة وزيادة الضغط على حلفائها القيام بالعمل ذاته.
• التنسيق مع الامم المتحدة والوكالات الدولية الأخرى لضمان آلية مناسبة تحد من فساد توزيع الاموال. ذلك ان الفساد يظل مشكلة كبيرة في اليمن، ويجب مواجهته على كافة المستويات: في القطاع الخاص، وفي القطاع العام، وفي منظمات المجتمع المدني، وفي مجتمع المانحين. وعلى الولايات المتحدة ان تتحمل المسئولية عن الطرق التي يسهم بها المجتمع الولي في سوء استخدام هذه السلطة من خلال ضمان سلامة توزيع المساعدات.
• زيادة المساعدات غير العسكرية، والاقتصادية وحث الصناديق الإقليمية في مساعدة اليمن، بالإضافة إلى مجمل المساعدات الثنائية الخاصة بها. وعلى الولايات المتحدة اعادة توازن مساعداتها لليمن ووضع اولوياتها الاقتصادية ودعم أية برامج تعمل على تحسين بيئة الاعمال والبيئة التنظيمية لقطاع الاعمال من أجل خلق فرص العمل. ويجب على الولايات المتحدة افراد مخصصات لهذا الغرض من صندوق الحوافز "Incentive Fund" المدرج ضمن مشروع ميزانية الرئيس للعام 2013، اذا وافق عليها الكونجرس.

المجال الأمني
• أن تركزوا على ان تكون المساعدات العسكرية للقدرات بعيدة المدى لمعالجة المخاوف المشروعة للأمن الداخلي من تهديدات القوات المسلحة. ويجب على الولايات المتحدة التعامل مع الأجهزة الحكومية، وليس مع أفراد، وان تركز على بناء القدرات المؤسسية. ويجب على الولايات المتحدة ان تضمن ألاّ تستخدم معوناتها في دعم قمع المعارضة او المظاهرات المشروعة، غير ان اليمن تواجه تحديات عسكرية لأمنها تفوق تلك التهديدات التي تمثلها القاعدة في جزيرة العرب وقواتها الأمنية بحاجة لان تكون قوات محترفة للتصدي لهذه التهديدات.
• أن تتعاملوا بفعالية مع الحكومة اليمنية لضمان ان يحقق اعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بناء قيادة موحدة تخضع لقيادة مدنية، بما يتماشى مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان.وقد أخذت الولايات المتحدة دور الريادة بين دول المجتمع الدولي في صنعاء في مسألة اعادة هيكلية الأجهزة الأمنية، ويجب ربط هذه المساعدات بالمحددات التي يتم الاتفاق عليها من خلال الحوار مع حكومة الحالية. وفي جهودها للعمل مع الحكومة اليمنية في القطاع الامني، يجب على الولايات المتحدة تخصيص الموارد المالية اللازمة للبرامج الموجهة نحو طرح مبادئ سيادة القانون وحقوق المواطنين.
• إعادة تقييم استراتيجية الضربات بالطائرات بدون طيار مع الاعتراف ان هذا الاسلوب يخلق قدر كبير من مشاعر العداء ضد الولايات المتحدة ومن الممكن ان تبرر جاذبية دعواتالمجموعات المتطرفة. وفي حين ان تحديد مواعيد هذه الضربات ومن المستهدف بها يتم دراستها بعناية في مراكز اتخاذ القذاذ والدوائر المنفذة، يجب إيلاء عناية خاصة بالكلفة السياسية الكبيرة لهذه الضربات، من ناحيتين، الاولى الكلفة النسبية لإصابات المدنيين، والثانية اثر الضربات على شرعية الحكومة اليمنية وقدرتها على التعاون مع الولايات المتحدة.
إننا كأفراد مهتمين اهتماماً بالغاً بالولايات المتحدة ومستقبل اليمن، من مختلف الخبرات، والآراء، والانتماءات السياسية، الموقعين هنا، نناشدكم وكل المسئولين المعنيين اعتماد هذه التوصيات وتنفيذها بأقصى سرعة ممكنة. ونوقع عليها بصفاتها الشخصية لا كممثلتين عن الهيئات التي ننتمي اليها.
الموقعون هم
1. دانيا جرينفيلد، نائب المدير، في مركز رفيق الحريري لمنطقة الشرق الأوسط في مجلس المحيط الأطلسي،
2. ستيفن مكإينرني، المدير التنفيذي لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط.
3. رحمان الجبوري، المدير المسؤول الأول عن البرامج، الصندوق الوطني الديمقراطي.
4. ندوى الدوسري، المدير التنفيذي لشركاء اليمن.
5. أطياف الوزير، باحثة ومستشارة.
6. السفيرة باربرا بودين، بروفيسور، جامعة برينسيتون.
7. شيلا كارابيكو، أستاذة العلوم السياسية والدراسات الدولية في جامعة ريتشموند.
8. خوان كول، أستاذ التاريخ في جامعة ميتشيغان.
9. إيزوبيل كولمان، كبير باحثين في مجلس العلاقات الخارجية.
10. ميجان كورادو، مستشار في مجموعة القانون الدولي العام والسياسة..
11. دينا دوكان، مديرة شركاء من أجل التغيير الديمقراطي..
12. تشارلز دن، مدير برامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في فريدوم هاوس.
13. أندرو إكسم، كبير باحثين في مركز الأمن الأميركي الجديد.
14. جيمي فلاي، المدير التنفيذي لمبادرة السياسة الخارجية.
15. ستيفن جراند، مدير وباحث، في علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي في معهد بروكنغز.
16. ستيفن هيديمان، أستاذ مشارك في جامعة جورج تاون.
17. جيني هيل، باحثة مشاركة في منتدى اليمن بمعهد تشاتام هاوس.
18. جيم هوب، المدير التنفيذي في المجموعة القانون الدولي العام والسياسة..
19. توبي جونز، أستاذ التاريخ المساعد في جامعة روتجرز..
20. براين كاتوليس، كبير باحثين في مركز التقدم الأميركي..
21. ديفيد كرامر، المدير التنفيذي لفريدوم هاوس..
22. دافن ماكاردي، كبير باحثين مشارك في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط..
23. اميل نخله، أستاذ باحث في جامعة نيو مكسيكو، والمدير السابق لبرنامج التحليل الأستراتيجي للإسلام السياسي في وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية..
24. أندرو ناتسيوس، أستاذ تنفيذي، كلية جورج بوش الأب لخدمة الحكومة والجمهور، جامعة تكساس للزراعة والميكانيك..
25. تشارلز شميتز، أستاذ مساعد في جامعة توسون.
26. كريستوفر سويفت، مركز قانون الأمن الوطني في كلية الحقوق بجامعة فرجينيا.
27. ستايسي فليبريك ياداف، استاذ مساعد في العلوم السياسية في هوبارت ووليام سميث.

نسخة إلى:
معالي وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري رودهام كلينتون،
معالي ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي
معالي الدكتور راجيف شاه، مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية


الرابط للنص الإنجليزي 
http://pomed.org/wordpress/wp-content/uploads/2012/06/Yemen-Policy-Initiative-Letter-to-Obama-6-25-12.pdf


Arab’s “Spring” or Turkey’s “Rise”? هل هو "الربيع" العربي أو "صعود" تركيا؟

الاثنين، 13 أغسطس 2012

هام جداً: إجتماع مؤتمر المانحين 2012

موقع وزارة التخطيط والتعاون الدولي تنشر كافة التي سيستعرضها مؤتمر المانحين الذي سيعقد في 4 سبتمبر في الرياض على مستوى
كبار المسئولين وفي الموقع التالي تطلعون على طل برامج الخطة الانتقالية للفترة 2012-2014

http://www.mpic-yemen.org/yemendcar/

إجتماع مؤتمر المانحين 2012

الأحد، 12 أغسطس 2012

هل نحن قادرون على صياغة المستقبل الذي نريد؟
مهام الحوار الوطني الشامل القادم
بقلم السفير مروان عبدالله عبدالوهاب نعمان
نشر الكاتب الامريكي الشهير توماس فريدمان مقال بعنوان "عامل الخوف" في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ ٢٦يونيو ٢٠١٢، بعد انتخاب الرئيس المصري محمد مرسي، تطرق فيها الى مخرجات الربيع في مصر، وما آلت اليه ثورات الربيع العربي وحالة المراوحة التي وصلت اليها.
ويأتي استعراضنا هنا لهذه المقالة بعد قيام رئيس الجمهورية الاخ عبدربه منصور هادي مؤخراً باتخاذ عدد من القرارات والخطوات الهامة دفعت بعجلة العملية السياسية في البلاد، مرتبطة بتنفيذ المرحلة الثانية من المرحلة الانتقالية ومتطلباتها التي نصت عليها الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية، وهي القرارات التي سنأتي على ذكرها لاحقاً، وأهميتها بالنسبة للحوار الوطني الشامل الذي يخرج بالبلاد إلى بر الأمان، وذلك بعد ان كانت البلاد قد دخلت بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2051 (2012) حالة شبه جمود في مسيرة الانتقال السلمي للسلطة، واستشراء حالة من اليأس التي يعيشها المواطنين الذين يرون وكأن دماء الشهداء وتضحياتهم ومعاناة الضحايا وأهلهم وأسرهم تذهب إدراج الرياح وان هناك من يخطط لقطف ثمار انتصار الثورة والتضحيات.
يشير الكاتب الكبير الى ان قوة ثورات الربيع العربي تتلخص في انها حدثت لأن الشعوب العربية لم تعد تخاف من قادتها، وان ضعفها يكمن في انها تعيش حالة من الجمود لأن الشعوب العربية في دول الربيع العربي لاتزال تخاف من بعضهم البعض. ويرى الكاتب ان ثقافة الخوف هي بالضبط ما عمل الطغاة على تغذيتها ورعايتها. وان معظم القادة الذي سقطوا أداروا بلادهم مثل أدارة زعماء المافيا لعصاباتهم، انهم أرادوا من الناس أن يخشى بعضهم البعض أكثر من خشيتهم زعمائهم، بحيث يتمكن كل دكتاتور من يتربع على قمة المجتمع كله، يخلق الولاءات ويؤمن الحماية، ويحكم بقبضة حديدية على الجميع.
ويذكر فريدمان ان نجاح ثورات الربيع العربي في تحقيق أهدافها في أنظمة يسودها حكم القانون والمواطنة المتساوية لايتحقق بمجرد التخلص هذه الأنظمة الديكتاتورية لتجاوز ميراث الماضي، وانما من خلال خلق ثقافة التنوع والمواطنة المتساوية محل ثقافة الخوف . وحتى تنجح ثورات الربيع العربي في تحقيق ذلك، "ستظل القبائل تخاف من القبائل الأخرى في كل من ليبيا واليمن، وستظل الطوائف تخشى من الطوائف الأخرى في كل من سوريا والبحرين، وسيظل العلمانيون والمسيحيون يخشون من الإسلاميين في مصر وتونس."
ويستطرد فريدمان الى القول بأنه يخطئ من يعتقد أن الانتقال ببلدان ثورات الربيع العربي الى ثقافة وهوية "المواطنة المتساوية" سيكون أمراً سهلاً. فقد "استغرق أمريكا قرنين من النضال والتوافق لتصل الى اللحظة التي تمكنت فيها من انتخاب رجل أسود اسم والده حسين كرئيس للبلاد، والتفكير بعد ذلك في استبداله برئيس كم طائفة المورمون. وهذا في بلد كل أهله من المهاجرين."
ورغم التشاؤم الذي يمكن ان يوحي به مثل هذا الطرح حول صعوبة الوصول الى ثقافة المواطنة المتساوية، ينطلق الكاتب لينبه الى اهمية عدم إغفال "الأصوات الحقيقية والتطلعات الراسخة التي أدت إلى إطلاق شرارة تلك الثورات العربية"، وعدم إغفال طموحات الشباب العربي، في كل هذه البلدان، في "الوصول الى المواطنة الحقيقية ووجود حكومات يشارك فيها الجميع وتخضع للمساءلة."، ونبّه الى ان الزخم لدى الشباب لايزال موجوداً. واي حاكم سيكون مضطراً الى الاستجابة لهذه الطموحات!!
وعن التجربة المصرية، وكان المقال قبل أداء مرسي لليمين الدستورية، نوه فريدمان الى نجاح الرئيس المصري محمد مرسي يتوقف في انه في نهاية المطاف على مقدرته في "أن يتعلم العمل مع مكونات المجتمع المصري الاخرى من العلمانيين والليبراليين والسلفيين والمسيحيين"، حيث "سيكون لهذه التجربة تأثيرٌ كبيرٌ على جميع ثورات الربيع العربي الأخرى. فإذا تمكن المصريون من صياغة عقد اجتماعي قابل للتطبيق لحكم أنفسهم بأنفسهم، ستكون تجربتهم قدوة للمنطقة بأكمله." وهنا علينا أن نتذكر كيف ظللنا في اليمن نتابع تطورات الانتخابات المصرية وكأنها في عقر دارنا، ونتذكر الفرحة التي عمت في اليمن بنجاح الرئيس محمد مرسي، لأن نجاحه كان المقدمة الأولى لنجاح الثورة المصرية.
واستطرد المقال الى القول بانه يتعين "على الاخوان المسلمون الآن يمدوا أياديهم بصدق إلى ٥٠٪ الأخرى من مصر – من مكونات العلمانيين، والليبراليين، والسلفيين والمسيحيين – وأن يؤكدوا لهم ليس بانهم لن يتعرضوا للأذى فحسب، وإنما أن وجهات نظرهم وتطلعاتهم سوف تكون متوازنة إلى جانب وجهات نظر وتطلعات جماعة الاخوان المسلمين. وسيتطلب هذا الأمر، مع مرور الوقت، ثورة في التفكير من قبل قيادة الاخوان المسلمين واعضائه ومنتسبيه الاقتناع فعلا بالتنوع الديني والسياسي وهم ينتقلون من المعارضة إلى الحكم. وهذا لن يحدث بين عشية وضحاها، ولكن إذا لم يحدث ذلك على الإطلاق، فإن التجربة الديمقراطية المصرية سوف تفشل، وسوف تشكل سابقة مخيفة للمنطقة."
وفي النهاية أشار الكاتب الى ان ما تحتاجه ثورات الربيع العربي هو اعتماد "المبادئ التي حددتها الأمم المتحدة في تقرير التنمية البشرية العربية لعام ٢٠٠٢، الذي كتبه عربٌ ووجهوه للعرب. وهو التقرير الذي أن العالم العربي لكي يحقق ازدهاره فإنه بحاجة إلى التغلب على الوصول إلى الحرية المفقودة، وتجاوز العجز في المعرفة والعجز في تمكين المرأة، وأضاف فريدمان إلى ذلك تجاوز العالم العربي لعجزه عن القبول بالتنوع الديني والسياسي. ووجه الكاتب تصيحته إلى حكومة بلاده بأنه ينبغي عليها مساعدة أي بلد تعمل حكومته على أن تنفيذ تلك الأجندة - بما في ذلك مصر بقيادة رئيس من الإخوان المسلمين - ووقف دعمها لأي حكومة لاتلتزم بذلك."
ماذا تحقق حتى الآن من أهداف لثورات الربيع العربي
 
استبعاداً لنظرية المؤامرة، التي تتسيد الفكر السياسي العربي والأنظمة العربية منذ نشأتها، يمكن الجزم بأن ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، شكلت زلزالاً كبيراً في العالم العربي كله دون استثناء، لاتزال إرتداداته تهز كل الأنظمة العربية قاطبة، في تلك الأقطار وفي غيرها. وللتذكير، فإن علينا ألاّ ننسى أن هذه الثورات، من حيث الفعل الثوري للشباب العربي، لم تقتصر على هذه الأنظمة الجمهورية التي تحولت إلى أبشع أنظمة ديكتاتورية في التاريخ، وإنما تزامنت مع ثورتين أخريين في دولتين عربيتين ملكيتين هما الأردن والمغرب، تحملان نفس المطالب في الحصول على الحريات المفقودة، في كل البلاد. وتعيش هذه البلدان التحرك الفعلي لتحقيق التغيير المطلوب لتأسيس أنظمة تمثل شعوبها تقوم على حرية الإنسان العربي وكرامته.
 
وهنا، أنجز المغرب تحولاً كبيراً في الوصول إلى أقامة ملكية دستورية تحكمها حكومة منتخبة ينتخبها ويحاسبها الشعب لا الملك، ووصل الإسلاميون إلى سدة الحكم، ووضع المغاربة دستوراً اعترف بالأماريغ ولغتهم واليهود وغيرهم من الأديان.

ولاتزال الأردن ماضية في سعي شعبها في التحول نحو تحقيق نفس الهدف الذي أنجزته المغرب. ونجد الإسلاميون هنا في مقدمة صفوف الحراك السياسي.
ووصل الإسلاميون في تونس، ويقودون تجربة رائدة في التحول تشكل نموذجاً لتأسيس ثقافة التنوع والمواطنة المتساوية.
 
وفي ليبيا، لم يفز الإسلاميون وإنما الليبراليون، مايسقط نظرية المؤامرة التي كانت قائمة بأن الإسلاميون هم الذي سينقضون على السلطة في ليبيا على أنقاض اللادولة التي صنعها القذافي، وقبل يومين في 10 أغسطس تسلم المؤتمر الوطني العام الجديد في ليبيا الذي تشكل عقب الانتخابات الأخيرة في البلاد السلطة من الحكومة المؤقتة، الإسلامية، في خطوة هامة في مرحلة الانتقال السياسي السلمي الذي يحدث لأول مرة في تاريخ ليبيا.
 
أما مصر، على الرغم من فوز الدكتور محمد مرسي، من تيار الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من التعثرات التي اعتورت مسيرة تأسيس الدولة المدنية، فإنها ماضية في طريق الوصل إلى تحقيق أهداف ثورة 25 يناير 2011 التي قادها الشباب المصري. وجاءت قرارات الرئيس مرسي يوم 12 اغسطس الجاري، بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل واحالة قيادات المجلس العسكري إلى المعاش والتعيينات البديلة في الحكومة وبعض المؤسسات بمثابة إعادة توازن للثورة المصرية في طريق تحقيق أهداف ثورة يناير 2011.
 
وفي سوريا، لاتزال الثورة متقدة في مواجهة نظام الأسد المتهاوي، والذي سيصل إلى مصيره المحتوم البشع حتماً، والذي أضحى قاب قوسين أو أدنى، وسينتصر الشعب السوري الصامد في الوصول إلى الحرية والانعتاق رغم التآمر الروسي والصيني ووقوفهما ضد إرادة الشعب السوري في إسقاط نظام الأسد البشع.
 
وفي المقابل، ليست لبنان استثناءاً رغم الديمقراطية الطائفية التي تنظمها، فقد بدأت أصوات تطالب بإعادة النظر في أوضاع البلاد، ومنها المطالبة بتحقيق العدالة الانتقالية والتحقيق في طل انتهاكات حقوق الإنسان منذ الحرب الأهلية في عام 1975.
 
ولايغيب عن أذهاننا من بدايات لثورة شعبية في طريقها لإسقاط نظام البشير الذي أحرق النسل والحرث في جنوب السودان وفي دارفور وفي شرق البلاد، ولايزال ممسكاً بسلطة آيلة للسقوط القريب. كما أن الجزائز شهدت متغيرات تتجه نحو الإصلاح بعد أن فشل الرئيس بوتفليقة في ترتيبات توريث أخيه. ويتحرك الشعب في موريتانيا في ذات الاتجاهات لإسقاط النظام الموريتاني الذي أسسه العسكر. وفي العراق يطالب العراقيون بالتغيير أيضاً.
 
ولايجب أن نفغل أيضاً ثورة الربيع العربي في البحرين، وما يتعرض له أبناء الشعب البحريني من الغالبية الشيعية من ظلم وقهر وإنكار لتطلعاتهم في إنجاز نظام حكم ملكي دستوري بحكومة تمثل حقيقة الشعب البحريني بكل أطيافه ومكوناته. وإن بدا أن بلدان أخرى في الجزيرة العربية في منأى عن التغيير في الظاهر، فإن الثروات، حتى الآن على الأقل، استطاعت أن تحقق ما يبدو وكأنه مطالب شعوبها، إلى جانب أنها تقوم بأدوار مركزية في محاولات التحكم بمخرجات ثورات الربيع العربي.
 
ولعل من الجدير بنا الإشارة إلى ما نشرته مجلة الايكونوميست البريطانية في عددها الصادر بتاريخ ٢٣ يونيو ٢٠١٢ بعنوان "المملكة العربية السعودية: حان الوقت ان يفسح المسنون الطريق، يجب على اكبر مملكة عربية محافظة ان تقوم بالتغير السريع او الموت"، وقد جاء المقال، وليس الوحيد من نوعه، في أعقاب وفاة ولي العهد نايف بن عبدالعزيز، الذي وصفته المجلة بأنه هو الذي "يتصدر الجناح المتشدد في الاسرة الحاكمة المناهض للتغيير. وكانت وزارة الداخلية، التي أدارها على مدى ٣٧ عاماً، لعنة للإصلاحيين. وحتى الآن لاتوجد أية إشارة الى أن وفاته ستطلق قوى التغيير." وأنه "والأمراء الآخرون الموالين له، يرون ان المملكة هي واحة للاستقرار والعقلانية في بحر من الفوضى والمد الثوري." "ويعتبر الربيع العربي لعنة بالنسبة لهم، وهم يكرهون ويخافون كل من الثوريين العلمانيين والإخوان المسلمين. وعلى الرغم من انهم ساندوا سقوط معمر القذافي في ليبيا لأنهم رأوا أن نظامه أكثر خطورة من البديل، الا انهم اعتبروا سقوط مبارك بمثابة كارثة. وذكرت المجلة خطوات الإصلاح التي يقودها الملك عبدالله بحذر، غير أن المسيرة تمضي ببطء شديد بسبب السلطات الدينية الرجعية، وأن النظام مستمر "في الاعتماد على رشوة وقمع سكان البلاد الثلاثين مليون لاسكاتهم. وعندما بلغت الثورة الديمقراطية ذروتها منذ عام، صرف الملك ١٣٠ بليون دولار كترضية ذات بعد اجتماعي." وتطرق المقال إلى أن مساعي المملكة في مواجهة وهزيمة المتطرفين الدينين الموالين لاسامة بن لادن، السعودي الذي سعى "للإطاحة بالملكية بسبب فسادها وتعاونها مع الكفار، وتحديدا الأمريكيون. وأبقت الاسرة الحاكمة عينيها مفتوحتان تراقب عُشر سكانها السعوديين من الشيعة المسلمين، والذين يعتبرهم الحكام السنيون زنادقة مرتبطين بإيران. كما ان الاسرة تتعامل بقسوة مع جماعة صغيرة الا انها متنامية من الإصلاحيين، من العلمانيين والاسلاميين، والذين يسعون لمشاركة سياسية أوسع للمواطنين العاديين بما فيهم المرأة."
 
وحذرت المجلة من أن البلاد وإن كانت هادئة "الا انها ليست مستقرة. وبالرغم من الثراء الفاحش للطبقة الحاكمة، فإن عدد الفقراء كبير بشكل غريب. فهناك ثلث الشباب السعودي عاطلون. وهناك ١٤٠٠٠٠ سعودي يدرسون في الخارج سيطالبون بان تكون لهم كلمة عندما يعودون. وتجد وسائل التواصل الاجتماعي غير المرحب بها، بما فيها الفيسبوك واليوتيوب، منتشرة عبر الاثير. والطبقة الوسطى المتنامية لن تسترخي على مسند الرشوات والعطايا في مقابل التخلي عن ان يكون لها دور حقيقي في المشهد."
وحذرت المجلة من أن "الزمن لم يعُد في صف اسرة آل سعود. واذا ارادت الاسرة البقاء، فإن كبار السن بحاجة لأن يتركوا." وأن يتم اختيار ملكاً صغير في السن في الخمسين من عمره أو يزيد "فقد يستطيع حينها ان يبدأ إصلاحاً حقيقياً بمنح المزيد من السلطات لمجلس الشورى التابع للملك، وان يدفع بانتخاب الممثلين، ربما في المستويات الأدنى من الادارة كبداية." وكان هذا قبل إزاحة الأمير مقرن بن عبدالعزيز، وتولية الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز المخابرات السعودية؟
 
وفي خلاصة القول حذرت المجلة أيضاً إلى أنه إذا "استمرت الاسرة السعودية في تقديم الرشوات والقهر، فمن المؤكد انه سيتم الإطاحة بها في نهاية الامر- ربما ليس خلال هذه الجولة من الثورة العربية، ولكن من المؤكد خلال ثورة اخرى."
وهناك أوضاع أخرى مرشحة للانفجار في سلطنة عمان وغيرها وقد بدت بعض المؤشرات في الطفو إلى السطح مطالبة بالمزيد من الحريات.

أما إلى أين وصلنا في اليمن في مسار تحقيق الانتقال السلمي للسلطة وأهداف ثورة الشباب السلمية والتحضيرات الجارية للدخول قي الحوار الوطني الشامل، فسوف نتناول ذلك في حلقات لاحقة.

Yemen Forum | Chatham House: Independent thinking on international affairs

السبت، 11 أغسطس 2012

منتديات الحوار الجامعية السياسية - مشاهدة الموضوع - الدستور الإمريكي واعلان الاستقلال الامريكي

المعرفة - تحليلات -السؤال الصعب باليمن: هل انتصرت الثورة الشعبية؟

الربيع العربي الحقيقي

الربيع العربي الحقيقي
بقلم
ثوماس فريدمان*
ترجمة: السفير مروان نعمان
ثوماس فريدمان
كنت قبل اسابيع في عمّان، اتحدث الى معلمين، عندما التقيت شابة أمريكية تحمل مؤهلات عمل ممتازة، اسمها شيلين رومني جاريت. قدمت لي نفسها بانها وزوجها جيمس كانا من فرق السلام الامريكية وبقيا في الأردن للقيام بعمل منظمة غير ربحية اسمها "Think Unlimited"، وتهدف الىمساعدة المدرسين الأردنيين تعلم كيفية "تدريس التفكير الخلاق وحل القضايا او المشاكل" في فصولهم الدراسية. فقلت لها:"الآن هذه ثورة الربيع العربي الحقيقية."
لا يزال اسلوب التلقين هو الاسلوب التعليمي السائد في معظم المدارس العامة العربية. غير ان اسرة جاريت، بدعم بسيط من مبادرة الملكة رانيا لاصلاح مدارس الأردن، تمكنت من تصميم برنامج يمكِّن ويحفز المدرسين الأردنيين على تبني اسلوب خلاّق اكثر. وأقاموا معسكرات صيفية اسموها "معسكرات تفكير" "Brain Camps" للطلاب الصغار لشحذ افكارهم في حل المشاكل من خلال وضع حلول لمشكلة نقص المياه في الأردن. وقد قال لي السيدة جاريت قصة واحدة بقت راسخة في ذهني.

قالت: "كان هناك فتاة في السادسة عشر من العمر في قرية فرق السلام في الأردن، وتنتمي الى اسرة محافظة جداً، وترتدي دائماً ملابس اسلامية. عندما كنت تسألها عما تريد ان تكون عندما تكبر، كانت تقول "طبيبة"، وهو الرد الذي يقوله الكل من أقرانها، لان الطب هو اكثر المهن مكانة في المجتمع. بعد ان انتهت الستة ايام للمعسكر الصيفي، ادركتْ ان بإمكانها ان تقوم بعمل شيء آخر بما لديها من قدرات ومهارات وأنها من الممكن ان تكون هي عنصر تغيير. فبدأت بتنظيم نادٍ للفتيات في القرية. ففي المعسكر نعلّم الاطفال فكرة "العصف الفكري"، وفي يوم كنت اتمشى معها وكانت مسترسلة بطرح أفكارها عليّ، وقالت "سيدة شيلين، شغّلت عقلي ليلة أمس في التفكير في أفكار مختلفة فيما يمكن ان يكون عليه اسم نادي الفتيات. واستقر الامر لديها بان اسمته نادي القيادات." وقالت السيدة جاريت ان ذلك مثال واحد لقرار اتخذ بتفعيل مهارات التفكير الخلاق، وهو العصف الفكري، وطبقته الفتاة على مجتمعها الصغير."

الربيع العربي قد ينجح وقد لا ينجح في التخلص من الحكام الدكتاتوريين، غير انه لاتوجد أمامه اي فرصة حقيقية لتمكين الجيل بدون هذه الثورة في التعليم. لم يكن الربيع العربي - في جوهره - حدثاً دينياً، وانما حدثاً قاده شبابٌ محبط افتقدوا وجودهم في المجتمع وفرص العمل ووسائل التعليم التي يمكن ان يحققوا بها كل ما يمكن ان يبدعوه. وكانت تلك هي الطاقة البركانية التي فضحت الأوضاع في مصر وتونس وسوريا واليمن وليبيا. وفي الوقت الذي اغتنم فيه الإسلاميون هذه الفرصة للقفز الى السلطة، فإنهم اذا لم يلبوا طموحات أولئك الشباب الذين عصفوا افكارهم وعصفوا بالعسكر، فإن الشباب، آجلاً أو عاجلاً، سيثورون مرة اخرى بالطريقة التي أطاحوا بها مبارك والقذافي.

تقوم داليا مجاهد بإجراء استطلاعات رأي في العالم العربي لمصلحة مؤسسة جالوب. وهي لم تتوقع ان كان مرشح الاخوان المسلمين سيفوز في انتخلابات الرئاسة التي جرت الاسبوع الماضي، غير انها لاحظت انه، ومنذ يناير الماضي، انخفض التأييد للإخوان والسلفيون في مصر بنسبة 20%، ولماذا؟ لانهم فسروا خطأً انتصارهم في الانتخابات البرلمانية بأن تفويض ديني وايدلوجي. وقالت داليا: "لكن الامر لم يكن كذلك." ذلك انه عندما صرحت برلمانيةٌ من حزب الاخوان واقترحت بألاّ يتم تجريم ختان الإناث، كان لذلك انطباعاً عكسياً لدى المصريين القلقين بأن هذه هي أولويات الاخوان المسلمين.

ومن خلال تتبع الاستطلاعات، سألت مؤسسة جالوب المصريين عن الحزب الذي يؤيدونه، وفي الوقت نفسه ماهي اولوياتهم للحكومة الجديدة. قالت داليا انه وبغض النظر عن الاحزاب التي صوتوا لها،:"لم يكن هناك اي اختلاف بين الجميع، حتى ولو اختلافاً بسيطاً، بين الليبراليين والمحافظين بشأن الأولويات التي يرونها للحكومة القادمة. كانت الأولوية رقم 1 هي الوظائف، وبعدها التنمية الاقتصادية، والأمن والاستقرار، والتعليم، وبهذا الترتيب. واذا استبعدنا الامن والاستقرار، فان اولويات المصريين مثلها مثل اولويات الناخب الامريكي. فإذا اخطأ الاخوان المسلمون في قراءة انتصارهم بأنه بمثابة تفويض شعبي لايدلوجيتهم، اكثر منه تصويت عملي لحكم راشد، فانهم سيقومون بالعمل الخاطئ، وبالتالي سيفقدون السلطة."

يقول استطلاع برسون-مارستيللر عن الشباب العربي للعام 2012:"ان الحصول على اجر عادل وامتلاك سكن حالياً هما في قمة اولويات الشباب في الشرق الاوسط - وحلّت هاتان الاولويتين محل أولوية العيش في مجتمع ديمقراطي التي كانت اعظم طموح شباب المنطقة." وتأتي الديمقراطية الآن في المرتبة الثالثة، ولاغرابة في الامر. فإذا لم تتلق التعليم الجيد، لن تتمكن من ان تحصل على وظيفة محترمة وان تشتري شقة للسكن - وبدون ذلك لا تستطيع ان تتزوج. وهناك اعداد كبيرة من الشباب العربي لايزالوا يعيشون مع اهلهم بعد التخرج من الجامعة. وبالفعل فإن هناك 25٪ من كل الشباب العربي بين سني 15 الى 24 عاطلون. وما يجعل هذا الامر بالغ الخطورة هو انهم العاطلون المتعلمون - ولكنهم في حقيقة الأمر ليسوا متعلمون، لأن تقييم معظم المدارس العامة في البلدان العربية بالمعايير الدولية للرياضيات/والقراءة تقديرات ضعيفة جداً، ويرجع ذلك للنظام الذي يطلب من الطلاب ان يأخذوا دروسهم وان يفرغوا ما تعلموه وان يدفعوا مصاريف دروس خصوصية من نفس المدرسين بعد اوقات الدراسة اذا ما أرادوا ان يتعلموا شيئاً افضل مما يدرس في الفصول الدراسية.

إن التوجه السائد في العالم العربي اليوم يظل "التعليم من اجل البطالة" وليس "التعليم من اجل العمل"، هذا ما تقوله منى مرشد، وهي مصرية أمريكية تقود اسلوب ماكينزي العالمي للتعليم. وتقول: "ان هناك نظام تعليم عمره قرون ومناهج لاتعلم الطلاب القدرات التي يحتاجون اليها." ويأخذ الامر من أرباب العمل في المتوسط في معظم العالم العربي تسعة اشهر لتدريب موظف جديد ليصبح ماهراً. ولعل ان اهم شيء سيلقى قبول كبير يمكن للولايات المتحدة ان تفعله على الفور لدعم الربيع العربي هو تحديد ستة أو سبعة مجالات عمل محددة - وهي الصناعات الخفيفة، والنسيج، والخدمات، ومعالجة المعلومات الخ - وان تؤسس برامج تعليمية لكسب المهارات لهذه الاعمال.

قرأت ذلك اليوم أن طائرة بدون طيار قتلت "الرجل الثاني" في القاعدة. أنا متأكد ان العالم مكاناً افضلاً. غير أنني لا اعتقد ان الرئيس أوباما يعرف كم عدد الضربات لطائرات بدون طيار اصبحت سياسته الخاصة في الشرق الاوسط اليوم. وتقول السيدة مجاهد ان على الرئيس أوباما ان يتذكر ان انتخابه كان عملاً ثورياً. ويعرف كل عربي ان امراً مثل هذا لم يكن ليحدث ابداً في بلدانهم، وكان لانتخابه اثراً كبيراً في معرفة الممكن. وتضيف: "لقد كان انتخابه نصراً رمزياً للقيم الامريكية، لفكرة انه لايهم من هم اسلافك، وان بإمكانك النجاح اعتماداً على قدراتك." ولعلنا خرجنا عن ما تحمله تلك القصة. اننا اذا لم نعصف أفكارنا ونعيد توجيه مساعداتنا للعرب نحو التعليم من اجل الوظيفة، سنظل دائماً نقتل الشخص الثاني في القاعدة.


By THOMAS L. FRIEDMAN
First Tahrir Square, Then the Classroom"
June 16, 2012 New York Times
http://nashwannews.com/news.php?action=view&id=18345&spell=0&highlight=%E3%D1%E6%C7%E4+%E4%DA%E3%C7%E4

غالبية السفارات اليمنية أصبحت ملكيات خاصة


السفير - مروان النعمان لـ(الجمهورية)

غالبية السفارات اليمنية أصبحت ملكيات خاصة


حاوره - ثابت الأحمدي

السبت 02 يونيو-حزيران 2012

قضى ثمانية وثلاثين عاماً في السلك الدبلوماسي ليعلن استقالته من عمله كسفير لليمن في اليابان عقب جمعة الكرامة العام الماضي وبمجرد عودته إلى صنعاء لم تملك وزارة الخارجية إلا أن استغنت عن عمله وأحالته إلى التقاعد - السفير - مروان النعمان في حوار مع (الجمهورية) يزيح الستار عن جوانب مظلمة من عمل وزارة الخارجية وأداء البعثات الدبلوماسية لبلادنا في الخارج:

- قدم السفير مروان النعمان استقالته من عمله كسفير لليمن في اليابان عقب جمعة الكرامة العام الماضي.. حبذا لو عرف القارئ ظروف تقديم هذه الاستقالة؟

يوم جمعة الكرامة يوم تاريخي في حياة الشعب اليمني، وكان لابد لأي يمني أن يتخذ موقفا مصيريا إزاء ما حدث ذلك اليوم. كان من أصعب الأيام في حياتي، وشعرت بأنه سيصعب علي كدبلوماسي وسياسي أمثل بلدي في الخارج أن أبرر للرأي العام الياباني ما حدث في صنعاء من قتل غير مبرر وانتهاك لحقوق اليمنيين في التعبير عن رغبتهم لتغيير الواقع المرير الذي يعيشونه. كان لزاما علي أن أتخذ قراراً ذاتيا إزاء ما حصل.

ــ أنت تابعت العملية من بدايتها؟

نعم تابعتها، وتابعت الثورة من بدايتها. شاهدت عملية القتل مباشرة وأنا في طوكيو، مع فارق ست ساعات بين اليمن وتوقيت اليابان، وليلتها لم أستطع النوم. عشت ليلتها والليلة التالية في صراع داخلي مرير، بين أن أرتهن لوظيفة أو أنتمي للشعب، لأنني تربيت على أخلاق ومبادئ أسرة عريقة ناضلت من أجل الحرية وقيم العدالة؟ فاتخذت القرار بالإنتصار لشعبي وضميري.

وقد أرسلت استقالتي للأخ وزير الخارجية بالبريد الاليكتروني بعد ظهر يوم 20 مارس بتوقيت طوكيو، وكان قد سبقني بساعات سفيرنا في نيويورك الأخ عبدالله الصايدي بتقديم استقالته من عمله هناك كسفير لليمن لدى الامم المتحدة. ومساء نفس اليوم، اتصل بي الاخ أبوبكر القربي وزير الخارجية عارضاً على الانتقال الفوري من اليابان إلى نيويورك، لملء الفراغ الكبير الذي سببه رفض الاخ عبدالله الصايدي الرجوع عن استقالته، للدفاع عما جرى. فأجبته بأني اعتذر عن ذلك، لأنني لا أستطيع الانتقال إلى نيويورك ولن أستطيع البقاء هنا في طوكيو، فاستغرب ردي على عرضٍ كهذا،متسائلاً ما الحاصل؟ قلت له ربما انك لم تطلع على رسالتي إليك في البريد الاليكتروني؟ وكان في مكتبه حوالي الثالثة بعد الظهر بتوقيت صنعاء، فاطلع على البريد، وسألني إن كان من الممكن التراجع عن الاستقالة، وأجبته بأنني لا استطيع، لأنني لن أفيد في الدفاع عما جرى، ولا استطيع ان اعمل وأتآمر على الحكومة. وقلت لوزير الخارجية لا أستطيع أن أبرر للعالم ما حدث سواء في جمعة الكرامة أو الجرائم التي سبقتها، وسأعود إلى بلدي. واتذكر أن استقالتي أعلنت هنا في صنعاء اليوم التالي 21 مارس.

الحقيقة أن السلطات العسكرية والأمنية قد استخدمت الغازات المسيلة للدموع السامة ضد المتظاهرين، من قبل جمعة الكرامة، والتي لا تستخدم ضد أي مظاهرات سلمية مدنية في العالم، هي من الغازات المسيلة للدموع سامة تستخدم في اقتحام أوكار الإرهابيين المسلحين لشل حركتهم. لذلك عجز الأطباء اليمنيون في المستشفيات الميدانية عن التعاطي مع الذين استنشقوا هذه الغازات. وأنا متأكد من أنها من ضمن المعونات التي قدمت لبلادنا من أجل مكافحة الإرهاب من الولايات المتحدة الأمريكية، فاستخدمت ضد المتظاهرين قبل وبعد جمعة الكرامة، بالنسبة لمجزرة جمعه الكرامة كانت جريمة مرتبة مع سبق الإصرار والترصد لعمل بهدف اجتثاث الثورة الشبابية السلمية. وكانت محاولة فاشلة في النهاية.

ــ ما موقف الدبلوماسيين اليمنيين والعاملين معك في السفارة؟

لم يكن معي إلا دبلوماسي واحد من الدرجة الصغيرة كان أثناء جمعة الكرامة موجودا في صنعاء، وقد طلبت من وزير الخارجية توجيهه بسرعة العودة لاستلام السفارة مني، أما عن مشاعر اليمنيين المغتربين هناك وبعضهم كان من الأساتذة الجامعيين الذين يعملون هناك، فقد كانت لا توصف في الوقوف مع الثورة.

ــ ما موقف اليابانيين أيضا؟

اليابانيون عندما قدمت استقالتي عبروا عن تعاطفهم معنا وعما يحدث للشعب اليمني، كانت مواقفهم إيجابية، وكانت اليابان قد استشعرت خطورة الاوضاع الامنية وكانت اول دولة اغلقت سفارتها، وسحبت سفيرها والدبلوماسيين واعضاء وكالة التنمية الى أبوظبي، وأوقفت اليابان كل مساعداتها ومشاريعها قبل يومين من جمعة الكرامة في 16 مارس، دون إخطار الخارجية في صنعاء، وانما عبر السفارة اليمنية في طوكيو. وكذلك كانت مواقف أعضاء السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي هناك، وغادرت والناس كلهم متعاطفون معنا، الشارع الياباني كان متعاطفا معنا، العالم كله. وقد عدت إلى صنعاء ولم أبارحها حتى اليوم. وبمجرد عودتي لم تملك وزارة الخارجية إلا أن استغنت عن عملي وأحالتني إلى التقاعد.

ــ هل تواصل معك رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية بعد ذلك؟

كان العتاب من الأخ الوزير أثناء المكالمة التي تحدثت فيها معه عندما طلب مني الانتقال إلى نيويورك، فقلت له: إنني لا أستطيع الدفاع عن الجرائم التي حدثت، وأن تلك الجرائم التي سوف تصل ملفاتها إلى نيويورك، وهو ما حدث بالفعل، لأن الثورة التي كانت تطالب بإسقاط النظام لم تكن ثورة عبثية، بل كانت تستند إلى واقع مرير ومتردي من جميع النواحي، الناس لم تخرج من فراغ. ولما استفسر الوزير عن امكانية التراجع عن رأيي والعدول عنها، فقلت له إن الأخلاق التي تربيت عليها لا تسمح لي بالبقاء في هذا المنصب بعد أن أعلنت استقالتي على الإطلاق، وإنني تربيت على قيم الثورة ضد الظلم والاستبداد والفساد، وضد كل ما هو باطل. قلت له: هل يعقل أن أرى ثمانية وخمسين من أبناء الشعب اليمني الذين نمثلهم في العالم الخارجي ونطلب العون لهم ونحن نعرف فساد النظام، هل يعقل ان يقتلون ولا أتخذ بشأنهم موقفا؟ لا أستطيع أن أقول للعالم الخارجي إن ما فعله النظام عملاً للحفاظ على الامن والسكينة العامة، وأن خروج هؤلاء فعل إرهابي كما يدعي هذا النظام! وطلبت منه إبلاغ الرئيس السابق بذلك. وبالطبع فقد كان هذا الموقف أحد أسباب الاستغناء عن خدماتي في الوزارة، بعد ثمانية وثلاثين عاما خدمة في السلك الدبلوماسي.

ــ بحكم عراقتك في الوزارة وطول فترتك.. ما هي أبرز قضايا الفساد في هذه الوزارة التي طفحت فيها مظاهرة خاصة خلال الفترة الأخيرة؟

أعتقد ان وزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي ليس استثناء مما تراه في كل أجهزة الدولة بشكل عام من فساد وسياسي ومالي وإداري، وأي إصلاح يستهدفه التغيير في الفترة الانتقالية يجب أن يشمل الجميع.

ــ لكن يبقى فساد السلك الدبلوماسي على وجه التحديد استثنائيا نظرا لحساسية العمل نفسه وأثره المباشر والكبير على الدولة؟

نعم، السلك الدبلوماسي عمل مهني وتخصصي، مثله مثل الجيش، مثل القضاء، مثل الأمن، ليس مجرد إدارة عادية لان السلك الدبلوماسي يمثل البلد والمفترض ان يعكس سياساته أمام العالم الخارجي، وأي اختلال في أداء هذا الجهاز، تكون سلبياته كبيرة.

ـ هل تتوافر المعايير الدبلوماسية بصورة صحيحة في العاملين في هذا القطاع؟

إلى حد كبير هناك دبلوماسيون محترفون من السفراء ومن دونهم من الدرجات، لكن النظام نجح خلال الفترة السابقة في اخضاع الوزارة والسلك الدبلوماسي لهيمنة أجهزة الأمن وشخص الرئيس مباشرة، بعيدا عن الوزير ورئيس الوزراء، وبالتالي تجد هناك البعض ممن ارتضوا لأنفسهم أن يرتبطوا بالأجهزة الأمنية حتى من الدرجات الوظيفية الدنيا. وقاد هذا الوضع بالضرورة إلى وصول الكثيرين الى مواقع قيادية وخلق مصالح متشابكة داخل وزارة الخارجية والسفارات، مما اثر سلباً على طبيعة ونوعية الدبلوماسي، في داخل وزارة الخارجية وفي البعثات على حد سواء، وعلى اداء الوزارة والسفارات. وهذه الاختلالات ادت الى مخالفات لقانون السلك الدبلوماسي والقنصلي ولائحته التنفيذية، من اختلال في هيكلية وزارة الخارجية وفي القبول والتسكين والترقية والتعيين في ديوان الوزارة وفي البعثات على حد سواء. وهكذا ان النظام سخر السفارات التي يريدها لخدمته. وعلى سبيل المثال تجد ان السفير في واشنطن منذ 1997 حتى الآن، هو صهر رئيس الجمهورية السابق، ومن بين اعضاء السفارة عدد من أبناء الرئيس واحفاده، وهو أمر لايحدث في أي بلد ولا حتى في أي حكم ملكي. ومن العبث ايضاً ان هناك دبلوماسيين ممن ارتبط بشبكات المصالح وعادوا للعمل في الديوان لايزالوا ضمن طاقم السفارة هناك مستفيدين من وضعهم الدبلوماسي بطريقة غير شرعية. ويمكن ان تجد هذا الوضع متكرراً في عدد من السفارات والبعثات. وهناك أمثلة اخرى لسفراء في مناطق اخرى ممن اقتحموا وزارة الخارجية اقتحاماً باوامر عليا.

ــ طيب ما المانع إذا كان هؤلاء دبلوماسيين محترفين؟

إن قبلنا ان السفير في واشنطن قد ارتبط بوزارة الخارجية بشكل أو بآخر، غير أن استمراره في ذات المنصب مايزيد عن خمسة عشر عاماً، أمرٌ استثنائيٌ. وبالنسبة للأبناء فلا بأس ان كانوا محترفين، ووفقاً للقواعد المرعية، ولكن هذا العدد في سفارة واحدة امرٌ غير مسبوق. وهم ليسوا محترفين، وليس لهم أي علاقة بالعمل من أساسه، وبهذا يتمتعون بمزايا وحصانات دبلوماسية ليست من حقهم. لقد اصبحت غالبية السفارات أصبحت مثل الضيعات والملكيات الخاصة لأصحاب المصالح والمقربين من النظام ومن شبكة المصالح المتشابكة.

ـ هل لهذه الدول موقف مما يعتمل داخل هذا الكيان المؤسسي باعتبار العمل الدبلوماسي عملاً مشتركاً تتحدد على ضوئه مصالح الأطراف؟

بالطبع. فالعلاقات الخارجية والتعاون الدولي طريق ذو اتجاهين. غير ان العالم يعرف كل شيء، والعالم يدرك ما نحن فيه. ومن هنا، نجد ان أداء سفاراتنا وبعثاتنا ضعيف جداً، وأن علاقاتنا الخارجية تتحرك عبر سفارات وبعثات الدول والمنظمات الدولية في صنعاء، الا فيما ندر. بل ان هناك وزارات اخرى مغتصبة اختصاصات أصيلة لوزارة الخارجية وبعثاتها. ومؤخراً، قامت السلطات الامريكية بإقفال حسابات السفارة اليمنية في واشنطن والوفد الدائم اليمني لدى الامم المتحدة في نيويورك مؤخراً ووضعها تحت رقابة اجهزة الأمن الامريكية، نجم عنه منع بلادنا من التصويت في الامم المتحدة للتخلف في دفع التزامات بلادنا في الامم المتحدة وأربك تشغيل البعثتين ودفع مستحقات الدبلوماسيين والموظفين المحليين. ولم تتمكن البعثتين في واشنطن ونيويورك ووزارة الخارجية من رفع الرقابة على الحسابات. وهذه ليست المرأة الاولى، فقد اوقفت حسابات السفارة في واشنطن من قبل، واستدعي احد اعضاء الوفد الدائم في نيويورك، وهو المسئول المالي، للاستبيان حول دخول مبلغ خيالي بملايين الدولارات الى حسابه، واطلق الحساب بعد ان عرف الأمريكان ان هذا الموظف وسيطاً في استلام عمولات تخصه مع بآخرين عن عملية شراء عقار باسم البعثة كسكن للسفير. هذا يدلل على ان بعثاتنا تحت المجهر.

ــ لو تحدثنا عن تخمة السفارات التي تمثل بلادنا في الخارج في بلدان هي نفسها ليس لها سفارات لدينا وهي من الدول الكبيرة؟

رغم ان اليمن من اكثر الدول فقراً في العالم مما يقتضي ضبط الإنفاق الخارجي، الا ان خارطة التمثيل الدبلوماسي اليمني في الخارج فيها اختلال كبير، تعكس الى الاختلالات والارتجالات الموجودة في الوطن. هناك بعثات دبلوماسية في العواصم العربية كضرورة سياسية لتمثيل اليمن في جميع الدول العربي. ولكن هناك كثير من التبذير والتبديد في الإنفاق على عدد من البعثات وعلى عدد من الملحقيات الفنية الثقافية والإعلامية والصحية والعسكرية.

في اوربا، تحتفظ اليمن بسفارات في دول لا وجود لسفارات لها في صنعاء، بل ان بعضها اغلق سفارتها لدينا لاسباب مالية، مثل المجر ورومانيا وبولندا.

وهناك، عدد من المنظمات الدولية في اوربا، الغالبية العظمى منها في جنيف في سويسرا في المقر الاوربي للأمم المتحدة، وعدد آخر في فيينا وفي روما الى جانب منظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم في باريس، ومقر الاتحاد الاوربي في بروكسل. تتولى التمثيل في هذه المدن بعثة دائمة في جنيف، والسفير في فيينا يتولى تمثيل اليمن في المنظمات الدولية المتخصص التي تتخذ من فيينا مقراً لها، كما تتولى السفارة في روما تمثيل اليمن لدى المنظمات المتواجدة في روما. وهي ترتيبات تتفق وحالة اليمن المالية. ولكن في باريس، نقوم بالإنفاق على بعثة دبلوماسية كاملة يرأسها سفير، في حين ان السفارة في باريس يمكن ان تغطي هذه المهمة، وكانت تقوم بذلك قبل ان يتم عزل الوفد اليمني لدى اليونسكو عن السفارة. وللأسف ان السفير المندوب الدائم لدى اليونسكو تم تعيينه صيف العام الماضي في خضم الثورة ضد النظام، وليس مؤهلاً لشغل هذا المنصب الرفيع، وكان السفير الجديد حتى تعيينه موظفاً بدرجة متواضعة في السفارة في باريس، وتم تعيينه كسفير لوجاهات في البلاد. واليمن ليس اي سفارة في الدول الاسكندنافية، وهي دول مانحة والتي تلعب دورا كبيرا في تقديم المعونات للدول النامية، كان يجب أن يكون لنا تمثل هناك، تخيل لدينا سفارات في المجر ورومانيا وبولندا، في وقت اغلقت في هذه الدول سفاراتها في صنعاء لاسباب مالية.

ولدينا سفارة في كندا، مع أن كندا لم تفتح لها سفارة في اليمن بحجة تقليص الإنفاق الخارجي، أيضا لدينا سفارة وسفير في جاكرتا في أندونوسيا، غير انه تم افتتاح سفارة يمنية لدى منظمة “آسيان” بسفير آخر وسفارة أخرى، وهي منظمة لدول جنوب آسيا مقرها في جاكرتا، كنوع من العبث والترف، لأن لليمن ليس لها علاقة بهذه المنظمة لا جغرافية ولا سياسية!! وبالمقابل، فإن دولة مهمة مثل كوريا الجنوبية وهي من الدول المانحة فتحت سفارة لدينا قبل ثلاثة اعوام، ونحن نتلكأ في افتتاح سفارة لنا هناك حتى الآن. ونحتاج ايضاً الى سفارة هناك لانها من اكبر المانحين وشريك تجاري لليمن، كما نحتاج الى سفارة لتمثيل اليمن في البرازيل او الأرجنتين.

يترتب على هذا الإنفاق الترفي العجيب هضم وظلم لحقوق كثير من الموظفين بحجة شحة الموارد. والواقع أن المشكلة ليست مشكلة موارد، بل مشكلة إدارة الموارد المتاحة. هناك مخصصات مالية تصرف لعدد كبير في الخارج لا علاقة لها بالسلك الدبلوماسي على شكل مرتبات من مخصصات الوزارة وبعثاتها، بموجب “أوامر عليا”!! وهذا مخالف للقانون، ووزارة الخارجية لا تجرؤ على القول بأن هذا مخالفاً للقانون!! وهذا فساد تراكم وترسخ منذ سنوات عديدة. هل يعقل أن يكون الطقم الذي يدير وزارة الخارجية وكيلا للشئون المالية والادارية لمدة اثني عشر عاما؟ هل يعقل ان يظل مديراً للشئون المالية والإدارية لمدة اثني عشر عاما؟ ونفس هذا الشخص هو مدير الحسابات قبل ذلك. ان هؤلاء حتى وإن كانوا عباقرة في اعمالهم او ملائكة فشبهة الفساد قائمة. ان شبكة المصالح والفساد في وزارة الخارجية لا يمكن تصورها لأن جذورها ضاربة في العمق. تخيل ان وكلاء الشئون المالية والإدارية منذ الوحدة هما وكيلان فقط، الاول شغل المنصب حتى عام 2000، وكان في ذات المنصب قبل الوحدة لسنوات. والثاني خلف الاول ولايزال يشغل هذا المنصب حتى اليوم، ووصل الى المنصب هذا بدفع من سلفه، وقفز الى هذا المنصب من درجة صغيرة وخبرة متعلقة بالعمل المالي ليصل الى درجة وكيل التي لايشغلها الا ممن وصلوا الى درجة سفير في الاصل!! انها مفسدة.



ــ من هو الذي يحدد السياسات العامة وسياسة العمل الدبلوماسي لوزارة الخارجية؟

ليست هناك أية سياسات مرسومة، حاولنا مرارا وتكرار أن نساهم في رسم سياسات صحيحة وهي محاولات موثقة ولكنها كانت ترفض. وكان آخرها قبل ثلاث سنوات عندما دعت الوزارة الى مؤتمر للسفراء لتقييم الأداء الدبلوماسي ورسم السياسات واعتمدت الأموال لذلك، وقامت كل السفارات بإرسال برؤيتها للمشاركة وأنا ممن أرسلت رؤيتي، والذي حصل انه المؤتمر أوجل ثم الغي وضاعت المخصصات وتبخرت الرؤى.

ــ على ضوء ما تحدثت به وهو حديث يدمي القلب ويبكي العين.. ما ذا عن صورة اليمن واليمنيين في الذهنية الخارجية لدى الأشقاء والأصدقاء؟

نحن دولة فقيرة وفاشلة في نفس الوقت، وهو وضع يعلمه المجتمع الدولي، وبالذات الدول المانحة، هم يعلمون أن هناك نظاما فاسدا، وحكومة لطالما كانت مطالبة بإصلاحات في كل المجالات. ومنذ حرب 1994 كانت هناك مطالبة بإصلاح النظام السياسي، والحوارات التي طالما استنزفت لسنوات بين المعارضة والحزب الحاكم كانت أشبه بحوار الطرشان. العالم الخارجي يتابعنا عن كثب ويعرف أوضاعنا، والإدراك الكبير لدى العالم الخارجي بها هو الذي دفع المجتمع الدولي بالتوافق على مساندة الثورة اليمنية والخروج بالحل السياسي التوافقي الذي نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2014. الأصدقاء أدركوا الموقف تماما وما آل إليه منذ حرب 1994، وكانت الرسائل لليمن من وقت مبكر من كثير من مراكز الأبحاث العالمية في بريطانيا وأمريكا، بأن اليمن دولة فاشلة، وأن اليمن أصبح مرتعا للقاعدة، وكل هذا كان مراقبا، وكانت أول رسالة فيما تسميه الحكومة السابقة مؤتمر المانحين في 2006م بلندن. قام المانحون بربط تقديم التعهدات التي التزموا بها بإجراء إصلاحات سياسية في إدارة الدولة والحكومة وحل المشاكل القائمة داخل البلد حيث بدأ الحراك الجنوبي وحرب صعدة، في مواجهة تعنت حكومي بانها مؤامرات خارجية. وظل النظام يتحجج بأن المانحين لم يقدموا ما تعهدوا به، في حين كانت هذه إخفاقات وفشل الحكومة في الوفاء بالتزاماتها السياسية وفي تقديم مشاريع محددة لاستيعاب تلك الاموال.

ــ لكن ما حصل بعد هذه الاشتراطات وبعد المؤتمر أن الفساد زاد بصورة أكثر؟

الفساد قائم منذ أمد، وما تراه أمامك من فساد هو آذني الجمل فقط، الفساد مترسخ منذ عقود، المجتمع الدولي أدرك مؤخرا أن الشعب اليمني لم يعد يحتمل المزيد من الفساد، الثورة جاءت لتشعل الشرارة فقط، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير، والقطرة التي أفاضت البحر.

ــ كنتم تقدمون للنظام النصائح والتوجيهات من سابق؟

عندما تقول النظام تقصد النظام والارتباط العضوي والارتباط المصلحي في شبكة الفساد الكبيرة. والحقيقة لم يكن كل السفراء أو الموظفين الكبار خاضعون. الكثير منا كنا نعرف وندرك ما تواجهه بلادنا. وشخصياً، أنا كنت أتابع الوضع الداخلي من الخارج فقد كنت سفيرا في دولة مانحة. كثير منا نكتب تقارير بواقع الحال وملاحظات العالم الخارجي كما نقرؤها. وكتبت بشأن ما اتلقاه من ملاحظات وانتقاد من هيئة المعونة اليابانية ومن وزارة المالية، من وزارة الخارجية. ونبهت الى خطورة ماتمر به اليمن كما آراه من الخارج. وقد كان وزير الخارجية في زيارة لليابان في نوفمبر 2010 لبحث العلاقات الثنائية والتحضير لمؤتمر أصدقاء اليمن في الرياض في فبراير 2011، وسمع آراء اليابانيين بنفسه، وبذل وزير الخارجية جهوداً كبيرة لتشارك اليابان في اجتماع اصدقاء اليمن الذي كان مرتقباً في الرياض في فبراير 2011 الذي ألغي بسبب ثورة الشباب السلمية. وتمكنت كسفير لبلادي لدى الصين من الحصول على تسهيل ائتماني بمبلغ مليار دولار لتمويل أية مشاريع تقترحها اليمن. وكان ذلك قبل مؤتمر المانحين في لندن الذي قدم قرابة 4 مليارات. هذا التسهيل لايزال بالإمكان استخدامه في مشاريع عاجلة في الطاقة وغيرها. وتم التوقيع على مذكرة التفاهم في زيارة الرئيس السابق الى الصين في ابريل 2006. والذي قاوم التمويل كانت وزارة التخطيط والتعاون الدولي بحجج واهية.

ولاجتماع اصدقاء اليمن هذا قصة. في عقب محاولة تفجير النيجيري للطائرة الامريكية في ليلة عيد الميلاد في ديمسبر 2009 الذي تدرب في اليمن، تقدم رئيس الوزراء البريطاني بتنسيق مع الولايات المتحدة بدعوة لعقد مؤتمر دولي خاص بدراسة الوضع الامني في اليمن، على هامش مؤتمر خاص بأفغانستان. وعقد المؤتمر في مطلع يناير 2010، وقد أسمته الحكومة اليمنية بأنه مؤتمر المانحين ولم يكن أصلا للمانحين، كان مؤتمرا دوليا لمناقشة الوضع في اليمن. وخرج المؤتمر بخمس آليات لمساعدة اليمن في مواجهة التحديات التي تواجهها، وإحدى هذه الآليات انشاء مجموعة أصدقاء اليمن. والثانية آلية مجلس التعاون الخليجي، تختص بتحليل العوائق التي تحول دون تقديم دعم فعال لليمن بما يؤدي إلى حوار مشترك مع الحكومة اليمنية يشمل أولويات الإصلاح. وألآلية الثالثة آلية صندوق النقد الدولي لمواصلة أجندة الإصلاحات. والرابعة آلية قرار مجلس الأمن الدولي الخاصة بفرض عقوبات على الأشخاص والهيئات المرتبطين بالقاعدة. واخيراً، آلية دعم الحكومة اليمنية في محاربة القاعدة وكافة أشكال الإرهاب.

وبالفعل بدأ الترتيب لعقد اجتماع اصدقاء اليمن، في 24 سبتمبر 2010، وذلك باتفاق يمني سعودي بريطاني، بغرض استعراض التقدم المحرز منذ اجتماع لندن في يناير 2010، وإعطاء دفعة قوية للعمل المستقبلي لأصدقاء اليمن، وأوضح البيان المشترك الصادر 2 سبتمبر بالتزامن في صنعاء والرياض ولندن أن الاجتماع سيركز بشكل خاص على دعم العملية السياسية من خلال حوار وطني شامل، يؤدي إلى إجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة متعددة الأحزاب في ربيع عام 2011 الى جانب الجوانب التي تطرق لها اجتماع لندن. وانعقد اجتماع نيويورك في موعده وخرج ببيان مشترك مطول عالج كل التحديات والمطالب التي رأت فيها الحكومة انه يمثل تدخل في الشئون الداخلية ومؤامرة دولية لاسقاط النظام. وعندها أدرك المجتمع الدولي أنه ليست هناك جدية في تعاطي الحكومة في اليمن إزاء كل التحديات التي تواجهها.

ـ ما هي الجوانب التي طلبت منا مجموعة أصدقاء اليمن إصلاحها في العملية السياسية؟

ان ماسبق ان نصحوا به هو تماماً ما نحن بصدده اليوم!! تشكيل حكومة وفاق وطني.. الانتقال إلى وضع جديد يتضمن إصلاحيات دستورية.. إصلاح الحوكمة.. إصلاح القضاء.. إصلاح الأجهزة الأمنية وتدخلاتها في الشئون العامة.. التفاهم مع الحراك الجنوبي.. إنهاء حرب صعدة ومشاكل الحوثيين.. هذا الذي كان مطلوبا قبل الثورة. بيان نيويورك الصادر في 24 سبتمبر 2010 فيه تفاصيل كل المتطلبات الواقعية التي اعتبرها النظام والحكومة السابقة مؤامرة خارجية ضد اليمن.

ـ ما ذا يعني فشل السلطة والنظام في احتواء هذه المقترحات وتنفيذ الإصلاحات، وكذا فشلها في التعامل مع كل المؤتمرات الدولية التي من شأنها مساعدة اليمن؟

هذا يعني فقدان الإرادة السياسية الصادقة في تحقيق الاصلاح الذي كان الجميع يطالب به منذ حرب 1994. وهذا هو الفشل بعينه، فشل في إدارة الموارد، وفشل في رسم السياسات. نحن دولة فقيرة نطالب العالم الخارجي منذ العام 2006 بأربعة مليار دولار، وهناك من نسمح له بأن ينهب من موارد النفط لدعم المشتقات النفطية المنهوبة والتي لا تدخل اليمن والمسيطرة عليها أركان في أجهزة النظام حوالي اثنين مليار دولار سنويا!! بل ربما أكثر من ذلك تذهب إلى جيوب أشخاص يعدون على أصابع اليدين، ناهيك عن الأرقام الوهمية في أجهزة الأمن والأرقام الوهمية في تعداد الجيش، والفساد المتفشي في كل مرافق الدولة، وعجز عن تلبية متطلبات التنمية. العالم يعرف اننا اذا أنهينا هذا النهب القائم وأحسنا إدارة مواردنا سنحقق اهداف التنمية.

ــ ألا ترى أن وزارة الخارجية ممثلة في شخص الوزير بالدرجة الأولى كان عليه اتخاذ موقف أو على الأقل تبيين الحقائق للناس؟

هناك وزراء آخرون اتخذوا مواقف من الثورة الشبابية السلمية وقرروا عدم الاستمرار العمل مع النظام. الاخ الدكتور القربي كوزير للخارجية، ربما انه كسياسي يحاول إصلاح ما يمكن إصلاحه، غير ان الأمور كانت بينة ان النظام قاد البلاد الى الهاوية. والقرار قرارا فرديا يتحمل نتائجه هو شخصيا. أنا هنا لا أستطيع أن ألومه أو أدافع عنه، فلعله يرى أن قراره هو الحق. وفي النهاية أن تقبل أن تكون في وجه المدفع فعليك أن تتحمل النتائج. تأتي لحظات يجب على الإنسان أن يتخذ قرارا حاسماً في حياته. والحقيقة أنه حدث انحدار كبير في مسار وزارة الخارجية بصورة كبيرة وفي المستوى الذي كانت عليه قبل ذلك عام 2000، دون ان يعني ذلك انه كان وضعاً مثالياً. ولكن الإنصاف يقتضي الا نحمل وزير الخارجية الدكتور أبوبكر القربي وزر كل ما حدث في الخارجية. وزارة الخارجية مثلها مثل أي جهاز في الدولة كانت مسخرة لشخص الرئيس ونظامه، والخارجية مثقلة باختلالات مثل بقية الأجهزة.

ــ كيف تنظر إلى اداء وزارة الخارجية منذ بداية الثورة؟

أداؤها كان متدنٍ جدا لأننا كنا نواجه العالم الخارجي بمتطلبات ترفضها الحكومة اليمنية وتمثلها وزارة الخارجية . هيمنة النظام وهيمنة أجهزة الأمن وهيمنة الحكم الفردي وإقصاء الآخرين وعدم الاستماع الى آرائهم أوصلنا إلى الشلل الكامل، فعندما حدثت الثورة تعاطت وزارة الخارجية بشكل سلبي مع سفاراتها. هل تعلم أنه بعد موجة الاستقالات التي أعقبت جمعة الكرامة لم نتلق أية ايضاحات حول حقيقة ما يحدث، بل أن أجهزة الأمن عبر وزارة الخارجية أرسلت لنا صيغة اعتذارات جاهزة طالبة منا تغيير مواقفنا، وقالوا: من أراد أن يستمر في استلام راتبه في الخارج فله ذلك، وكل السفراء الذين أعلنوا استقالاتهم لا يزالوا في مناصبهم لأنهم فضلوا البقاء في المنصب على الرغم من قناعتهم من عدم سلامة ما قامت به الحكومة يوم جمعة الكرامة وخلال الثورة، وقبلوا أن يتسلموا رواتبهم في الخارج مقابل التراجع عن مواقفهم. فهل يعقل أن تطلب وزارة الخارجية من سفرائها المفترض فيهم أن يكونوا وصلوا إلى قمة تمثيل الدولة في الخارج أن تطلبهم منهم الاعتذار عن مواقفهم المعلنة والتراجع عنها؟! كانت مهزلة!! ولم يعد من السفراء إلى اليمن إلا أنا والأخ عبد الوهاب طواف سفيرنا في سوريا.

ــ يقول البعض إن الوزارة إلى الآن لا تزال في خدمة النظام السابق؟

وزارة الخارجية جزء من حكومة الوفاق الوطني التي لازالت بمكوناتها السابقة الكاملة وإن تغير رئيس الحكومة الوزراء. لا تزال الحكومة تؤدي نفس الأداء السابق بنفس الأدوات والأليات ومفهوم الادارة والحكم الموروث، لا تزال الأجهزة الأمنية مهيمنة بنفس الوتيرة في النظام السابق، لسبب بسيط هو أن الحكومة لم تقم حقيقة بالانطلاق بتنفيذ ما يخصها مما نصت عليه المبادرة الخليجية، للخروج بالبلاد مما هي فيه وفرض المعالجات التي تعيد ضخ الدم في شرايين الاقتصاد المنهك، وتنقذ الناس من معاناتها المتفاقمة. ولازال الوطن كله مرهوناً في يد مجموعة ممن يغامرون ويقامرون بأمنه واستقراره.

الحكومة بموجب الآلية مطالبة بالعمل على ضمان وقف جميع أشكال العنف وانتهاكات القانون الإنساني، وفض الاشتباك بين القوات المسلحة والتشكيلات المسلحة والمليشيات والجماعات المسلحة الأخرى، وضمان عودتها إلى ثكناتها، وضمان حرية التنقل للجميع في جميع أنحاء البلد، وحماية المدنيين وغير ذلك من التدابير اللازمة لتحقيق الأمن والاستقرار وبسط سيطرة الدولة. وهذه أمور لم تتحقق حتى الآن، مما اثر على تيسير وتأمين وصول المساعدات الإنسانية المقدمة من المجتمع الدولي. ولم تتمكن حتى الآن من إطلاق سراح الذين احتجزوا بصفة غير قانونية، ولاتزال النيابة العامة ودوائر الشرطة والسجون والأمن ترفض ان تتصرف وفقاً للقانون والمعايير الدولية. ومن المهم ملاحظة ان الحكومة لا تعمل وفقاً لمعايير الحكم الرشيد وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. ووزارة الخارجية وسفاراتنا لم يحدث فيها اي تغيير على الاطلاق حتى هذه اللحظة، ولايزال القابضون عليها هم نفس الاشخاص، ولاتزال تؤدي نفس الوظيفة السابقة، ولاتعمل لخدمة التحول والتغيير والثورة.

هل هناك فهم كامل لوضع البلاد الحرج؟

اليمن منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 2014 نوفمبر الماضي،في وضع فريد يشبه وضع الوصاية الدولية، وهو يؤسس لقاعدة جديدة في تاريخ الأمم المتحدة والقانون الدولي قضت بأن شرعية الدول وسياداتها تنتهي بانتهاكات حكوماتها لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي، وتطلب من رئيس البلاد أن يستقيل من منصبه بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ولتهديد الأمن والسلم الدوليين. الآلية التنفيذية جاءت أيضا إعلانا دستوريا يستند إلى قرار مجلس الأمن، وعلق الدستور وعلق القوانين النافذة وحدد خارطة طريق لليمن حتى انتخابات 2014.

هناك قصور في فهم الآلية التنفيذية والمبادرة الخليجية لأنهما اليوم دستور البلاد والمرجعية الدستورية، مجلس النواب لا شرعية له، مجلس الشورى لا شرعية له، أعضاء مجلس النواب شرعيتهم من الآلية. وقد عزز هذه الشرعية مؤخرا قرار الرئيس أوباما بأن من يعترض مسيرة الانتقال السلمي لتلبية طموحات الشعب اليمني بأن ذلك من قبيل تهديد الأمن القومي الأمريكي والسياسة الخارجية الأمريكية، وهدد بتجميد أرصدة وممتلكات كل من يعترض تنفيذ الآلية التنفيذية وقرار مجلس الأمن، والتهديد ليس لأركان النظام السابق فحسب بل ولكل الأطراف التي تعيق التقدم نحو إنجاز استحقاق التغيير بدستور جديد وانتخابات جديدة، واجتماع أصدقاء اليمن مؤخرا في الرياض أوضح ذلك..

ــ هذا الاجتماع ربط المنح والمساعدات بمخرجات الحوار الوطني؟

صحيح. وهو أشار الى ان هناك اجتماع المانحين نهاية يونيو القادم، وهو نفس الموعد المحدد لإنهاء ترتيبات البدء في الحوار الوطني حسبما هو محدد في قرار انشاء لجنة التواصل. والبيان أشار الى ان الحوار مدته ستة أشهر من مطلع 1 يوليو إلى نهاية ديسمبر 2012، وثلاثة أشهر تنتهي في 31 مارس 2013 للجنة الدستورية لإنجاز مشروع الدستور وقانون الانتخابات، على ضوء ما سيتفق عليه كل اليمنيين في الحوار. وقد حدد بيان الرياض أن 31 ديسمبر 2012 هو الموعد النهائي لدمج الجيش وإعادة هيكلة القوات المسلحة، والأجهزة الأمنية. ومن مطلع ابريل 2013 وحتى 25 فبراير 2014، يجب على اليمنيين ان يكونوا قد فرغوا في إنجاز كل ما يلزم لأن ينتهوا من انتخاب رئيس جديد وهيئة تشريعية جديدة وفقاً للدستور الجديد. المجتمع الدولي يتابع كل صغيرة وكبيرة في اليمن ولايمكن ان يعطي أية امكانيات للتقدم ما لم نصلح انفسنا ونتهيأ ونؤمن البلاد والعباد. يجب ان يخرج اليمن واليمنيون من حالة الارتهان لمجموعة فاسدة.

ــ برأيك لماذا هذا الاهتمام الإقليمي والدولي باليمن إلى هذا الحد؟

مجلس الأمن أسس لسابقة جديدة في القانون الدولي وللأمم المتحدة منذ إنشائها عند ما نص في القرار أن رئيس هذا البلد الشرعي يجب عليه أن يترك منصبه وأن تتم الانتخابات بعد عامين فأسس لقاعدة في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية هي أن حكومة الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي تعتبر حكومة غير شرعية لأن مجلس الأمن هو المعني بحفظ الأمن والسلم الدوليين، لذلك قرر أن الوضع في اليمن الآن فيه تهديد للأمن والسلم الدوليين، ليس للموقع الجغرافي فحسب كما يحال أن يصوره البعض فحسب، بل لإدراك المجتمع الدولي أن هذا الشعب يستحق أفضل مما هو فيه.

ــ طيب بالمقابل سوريا أو الشعب السوري لم يحصل على ذات المعادلة؟

المعادلة أخرى، فيها مدخلات أخرى، لم يكن التعامل نفس التعامل في ليبيا أيضا، هناك قصور في قراءة ما نصت عليه مقررات مجلس الأمن في دعم ثورات الربيع العربي. مجلس الأمن أعطى المجتمع الدولي الحق في التدخل في ليبيا لحماية المدنيين، وهذا مبدأ جديد في العلاقات الدولية، حماية المدنيين أصبح من مسئولية المجتمع الدولي، لذلك الذي تدخل في ليبيا لم تكن الأمم المتحدة فحسب.. هناك دول أخرى ساهمت في ذلك، القذافي سقط لاستخدامه القوة المفرطة ضد شعبه، فكان تسليح الثوار جزءا من حماية المدنيين الذين انتهك حقوقهم المشروعة في التغيير. ما حدث في ليبيا لم يكن في البدء سوى ثورة شعبية سلمية بدأت اعتراضات عادية في الساحات تطور بعد ذلك إلى ثورة مسلحة لحماية المدنيين.

والمعالجات حتى الآن في سوريا مؤسفة ومؤلمة، بسبب الفيتو الروسي والصيني. وهذا السبب تحديداً هو الذي قاد المجتمع الدولي الى الاعتراف بالمجلس الوطني ممثلاً شرعياً، واعتماد كوفي عنان ممثلاً للأمم المتحدة والجامعة العربية بمشروع شبيه بالتسوية السياسية في اليمن. وانتهج المجتمع الدولي منهجاً دبلوماسياً يتمثل في سحب الاعترافات بالحكومة السورية الشرعية وطرد المبعوثين الدبلوماسيين السوريين، وهو ما تم مؤخراً. وهذا الوضع سيتبعه بالضرورة، حسبما أعتقد، واذا فشلت مبادرة كوفي عنان واستمر الفيتو الروسي والصيني، ان تعترف الدول بحكومة منفى سورية يحتل ممثلوها السفارات والبعثات السورية، وهي التي ستكون مخولة في طلب مساندة العسكرية دولية لاسقاط النظام بالقوة، من خلال دعم من دول الحوار وليس بالضرورة بقرار دولي اذا لوحت روسيا والصين باستخدام الفيتو كسياسي ودبلوماسي، اعتقد ان التدخل العسكري لإنهاء نظام الاسد اصبح قاب قوسين او أدني.

ــ علي عبدالله صالح كان خير من خدم الأمريكان وكذا الإقليم.. فكيف استغنوا عنه بهذه الصورة؟

القاعدة هي منظمة دولية قامت على قيادات وكوادر المجاهدين الذين اسندوا عملية إسقاط الوجود السوفيتي في افغانستان. وجيل القاعدة الحالي، جيل آخر من المجاهدين. العالم يعرف قصة التطرف في اليمن وكيفية توظيف المجاهدين العائدين من افغانستان من قبل الرئيس السابق واستغلالهم في صراعاته السياسية مع الحزب الاشتراكي اليمني، قبل وبعد حرب 1994. والقاعدة ناشطة في اليمن منذ وقت مبكر في اليمن قبل أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة. وبسبب الجهود الدولية في مكافحة الارهاب التي تقودها الولايات المتحدة والغرب، وفي افغانستان وباكستان والمملكة العربية السعودية على وجه التحديد، حدث تسرب بعض من قيادات القاعدة وعناصرها إلى اليمن، نتيجة غياب هيمنة الدولة على مساحات كبيرة من البلاد. وفي عام 2009 أعلنت عناصر القاعدة في اليمن توحيد نفسها تحت اسم القاعدة في جزيرة العرب. وقداستغل علي عبدالله صالح تصاعد هجمات القاعدة، وبدأ توظيف وجودها في اليمن ليطلب من الولايات المتحدة تشكيل مساعدته في تشكيل وتمويل وبناء قوات مكافحة الارهاب والقوات الخاصة لمحاربة القاعدة. وبالفعل قدمت الولايات المتحدة والدول الاخرى مبالغ كبيرة. وسلمت قيادة هذه القوات لابناء الرئيس.

منذ بدايات الثورة الشبابية السلمية، ولجوء النظام لاستخدام العنف لقمع المظاهرات السياسية التي هبت في كل أنحاء البلاد، ومنذ مجزرة جمعة الكرامة، ادرك الأمريكيون أن الأسلحة التي استخدمت في مجزرة جمعة الكرامة تحديدا وأيضا الغازات السامة قبلها هي أسلحة أمريكية، وان القناصة هم القوات الخاصة ووحدة مكافحة الإرهاب التي دربها المستشارون الامريكيون، ولذلك قاموا بسحب المستشارين الأمريكيين الذين كانوا يتولون التدريب وأوقفوا كل معوناتها، لأنهم يدركون العواقب القانونية اذا تمت مقاضاة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بسبب ان ماقدمته من معونات وتمويل كبير للنظام اليمني بغرض مكافحة الارهاب، تم استخدمها في قتل الشعب اليمني عندما طالب بحقوقه السياسية سلمياً.

بالاضافة الى ذلك، اتضح للولايات المتحدة ان هناك توظيفاً سياسياً من قبل النظام واجهزة الأمن اليمنية المعنية بمكافحة الارهاب منذ حادثة مقتل جابر الشبواني نائب محافظ مارب، مما أدى الى ان تقوم الادارة الامريكية بوقف التعاون مع الجانب اليمني. وقامت بتكليف وكالة الاستخبارات الأمريكية بأمر خاص من الرئيس أوباما بالقيام بعمليات الطائرات بدون طيار لضرب عناصر القاعدة في اليمن.

اما أنصار الشريعة في الجنوب فلا علاقة لهم بتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية، وتم تجهيزهم وتسليحهم من قبل العناصر الأمنية والعسكرية التابعة للنظام السابق من الإرهابيين السابقين وأطلقت ايديهم في أبين وشبوة، وسهلت لهم جهات في قيادة المنطقة الجنوبية الاستيلاء على المعسكرات وقتل الجنود الأبرياء وأسرهم.

والحملة العسكرية الأمنية الجارية لتطهير أبين وشبوة اليوم العلميات هذه مسنودة إسنادا عملياتيا واستخباراتيا دوليا بقوة، أي أن هناك معلومات أمنية على الأرض تجمعها عناصر أمنية يمنية جديدة من غير أجهزة النظام السابق وتزود بها القوات الجوية وبقية القوات التي أصبحت تحت سيطرة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، يتم تزويد القوات اليمنية المساهمة في تطهير أبين وشبوة مما يسمى بأنصار الشريعة. القاعدة كتنظيم موجود، ولكن ليس لها علاقة بأنصار الشريعة، لان القاعدة لا تستخدم دبابات وقواعد صواريخ ومدرعات، والحرب على القاعدة حرب على الارهاب حرب طويلة المدى لايمكن الانتصار فيها إلا بالانتصار على الفقر وبالتعليم وتحرير الانسان من الحاجة والعوز.